مع بدء المصريين التوجّه إلى صناديق الاقتراع، يرصد الكاتب حسام الحملاوي كيف يدير النظام السباق البرلماني بآليات أمنية وقضائية تضيّق مساحة التنافس وتُهين الخصوم عند الحاجة.
ويصف ميدل إيست آي مشهدًا سياسيًا يُعاد تشكيله خلف الأبواب المغلقة، حيث تُحسم أهم مراحل الانتخابات في مكاتب الأمن والقضاء قبل أن يلمس الناخب ورقته الانتخابية. القواعد المنظمة تضع الانتخابات داخل مضمار مائل لصالح السلطة؛ النظام الانتخابي الهجين يبقى قائمًا، والقوائم المغلقة ذات شرط الـ50 بالمئة تواصل إقصاء الأحزاب الصغيرة مالم تلتحق بكيانات موالية.
1) هندسة مسبقة للمشهد الانتخابي
تُظهر التجربة الأخيرة في انتخابات المجلس الأعلى (الشيوخ) صيف هذا العام ما سيحدث لاحقًا: القوائم المحسوبة على الدولة تستحوذ على المقاعد، ونسبة المشاركة تقف عند نحو 17 بالمئة، ما يعكس مشاركة مُدارة أكثر مما يعكس حماسة جماهيرية. تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات مواعيد الاقتراع، لكن الجوهر يُحسَم قبل ذلك بكثير.
تُعمّق الحكومة آليات الفرز بإدخال فحص طبي إلزامي للمرشحين يشمل تحاليل للكحول والمخدرات داخل معامل محددة. يتحول هذا الإجراء، كما يوضح المقال، إلى أداة إقصاء سياسية. المرشح محمد عبد الحليم مثلًا يُستبعَد بزعم فحص إيجابي، رغم تقديمه تحليلًا آخر من نفس الجهة يؤكد سلامته، بينما يرفض القضاء طعنه. الحزب الذي ينتمي إليه ينسحب لاحقًا من السباق، في إشارة إلى قدرة المؤسسة على استخدام أدوات طبية كفلاتر سياسية.
2) القضاء كأداة انتقاء
يفرض القضاء أيضًا شروطًا جديدة. المحكمة الإدارية العليا تُقِر استبعاد النائب السابق هيثم الحريري بسبب إعفائه من الخدمة العسكرية، ما يحوّل وضعًا اجتماعيًا إلى سبب سياسي للإقصاء. يُكرِّس هذا الحكم حق الهيئة في إبعاد أي شخص بظروف مشابهة، ما يفتح بوابة واسعة لإزاحة جزء من المعارضة الشابة.
يلعب المال دور "بوابة الدخول". يشير معهد التحرير إلى أنّ مجرد الترشّح قد يكلّف 41 ألف جنيه، بينما يصرّح مسؤول في حزب موالٍ بأن الطريق "الآمن" لمقعد قد يصل إلى 50 مليون جنيه. في المقابل، تتراجع أحزاب عريقة وتنسحب لأن التكلفة تتجاوز قدراتها، ما يجعل التمويل والأمان السياسي هما المعيار الحقيقي وليس الأفكار أو العمل الحزبي.
3) برلمان مُحضَّر لمرحلة ما بعد 2030
تقترب مصر من لحظة سياسية حساسة. تعديل دستور 2019 يجعل البرلمان شرطًا أساسيًا لتمديد حكم عبد الفتاح السيسي بعد 2030. لذلك يبدو واضحًا أن النظام يُحضّر مجلسًا قادرًا على تمرير تعديلات محتملة أو إدارة انتقال مُحكَم إذا تقرر تغيير الواجهة السياسية دون المساس ببنية السلطة.
يستعرض المقال كيف تُشدّد الدولة قبضتها: تضخيم أحزاب موالية، ضبط الإعلام، وتفعيل شبكات بيروقراطية ونقابية لاحتواء الغضب الشعبي دون تخفيف القبضة الأمنية. لكن هذه الهياكل تبدو هشة بعد سنوات من التوسع العسكري، وسط ضغط اقتصادي خانق بسبب الديون والتضخم والتقشف المتكرر.
يتحوّل الترشيح إلى "امتياز قابل للسحب". يدعم هذا التحول توسع نفوذ القضاء العسكري على المدنيين عبر قوانين 2024، إضافة إلى فحص المخدرات الخاضع لأجهزة تنفيذية، والحكم المتعلق بالخدمة العسكرية. كل ذلك يصنع منظومة انتقاء لا ساحة تنافس.
يتوقع الكاتب أن يُنتِج الاقتراع مجلسًا مُشكّلاً من حزب مستقبل وطن وحلفائه، إضافة إلى مستقلين نافعين محليًا بلا خطر سياسي، بينما تُحشر المعارضة في زوايا رمزية. نسبة مشاركة شبيهة بما جرى في الشيوخ ستكرّس أن الانتخابات طقس تصديق لا مجال صراع.
يبقى للانتخابات معناها رغم ذلك. لأن الدستور يربط تمديد الحكم بالبرلمان، يصبح شكل هذا المجلس إشارة مبكرة إلى ما إذا كانت القاهرة تتجه لفتح باب حكم مفتوح أو لتغيير مُدار يبقي المؤسسة العسكرية والأمنية في موقع الهيمنة.
في النهاية، يؤكد المقال أن الفحوص الطبية ليست إجراءات تقنية، وإنما أدوات في سلسلة الانتقاء السياسي؛ وأن الحكم المتعلق بالخدمة العسكرية يُنشئ سابقة خطرة قد تُقصي آلافًا بلا صلة بالكفاءة. هكذا تُحوَّل المشاركة السياسية من حق إلى امتياز قابل للنزع، وتغدو الانتخابات عرضًا مُحكمًا: تواريخ معلنة، شكل ديمقراطي، ومضمون جاهز قبل التصويت.
بهذه الصورة، يقترب المشهد السياسي من مساحة لا تُحدَّد فيها نتائج الصناديق بقدر ما تُحدَّد مسارات ما بعد 2030 داخل المكاتب المغلقة، بينما تبقى عملية الاقتراع مجرد فصل إضافي في عرض طويل الإعداد.
https://www.middleeasteye.net/opinion/why-egypts-parliamentary-elections-are-carefully-choreographed-sham

